جانين جلخ صفاء عياد

13 أغسطس 2019

حكاية نسوة
من التعاونيات الزراعيّة إلى العالميّة

UNDP ©

صفاء عياد*

لطالما شكّلت التعاونيات الزراعية ملاذاً للنسوة في القرى الريفيّة للعمل القريب من المنزل، بهدف عدم إبعادهن عن واجباتهن المنزلية. إلا أن حنكة بعض السيدات جعلت منهن نموذجاً رائداً في محيطهن أوصلهن إلى العالمية. فمن الطبخ والصاج الشعبي، تحوّلت سيدتان إلى محاربات عن الطبخ اللبناني التقليدي، ومساهمات في نشره كرسالة سلام في الداخل والخارج.

سفيرة «الفراكة والفريكة»

إن سألتها كيف تُعرّف عن نفسها، بكامل الثقة تقول زينب قشمر (54 عاماً)، بأنها سفيرة «الفرّاكة والفريكة الجنوبية بامتياز». وهو لقب عملت وجهدت لتحقيقه منذ العام 2008 وحتى اليوم. فربّة المنزل التي تركت مقاعد الدراسة في صف الثالث متوسط، لم تتخيّل يوماً بأن إنخراطها في تعاونية بلدتها الجنوبية الحلوسية (قضاء صور)، سيوصلها إلى أن تجوب العالم «بلقمتها الطيّبة وبراعتها في تسويق منتجات المونة اللبنانية التقليدية».

حكاية زينب التي بدأت، بعد تفرّغها لسنوات طويلة في شبابها لتربية أبنائها الثلاثة. وحين كبروا، قررت أن تبدأ بالإنخراط الإجتماعي في بلدتها، فانضمّت إلى تعاونية الحلوسية الزراعية، التي جعلتها تتعرف على «سوق الطيّب»، وتسوّق منتجات خمس قرى جنوبية. وبفضل حنكتها استطاعت بيع جميع المنتجات، وكسبت ثقة المنظمين لعرض منتجاتها المميّزة طوال شهر كامل. فخلال هذا الشهر إكتسبت خبرة «الإعلان والتسويق» من دون أي دراية مسبقة، «لساني طيّب متل أكلي». فمن تسويق زيت وزيتون الحلوسية والزعتر والفريكة الجنوبية، تربّعت زينب على عرش الطبخ الجنوبي الذي قلب حياتها رأساً على عقب، وحوّلها إلى سيدة منتجة وفعّالة إجتماعياً وإقتصادياً، تقدم الأكل وفن الطبخ لمن يرغب في تعلمه.

همّها الأول هو الحفاظ على تراث المطبخ اللبناني القديم، ومنع «غزو المدن وأكلاتها السريعة إلى القرى اللبنانية، سواء الجنوبية والبقاعية والجبلية والشمالية». إذ تعتبر زينب أن الأكل حكاية تتأصل جذورها مع الأرض، ولهذا قررت أن توصل إلى العالمية حكايا الأكل الجنوبي. فقامت بالتجوال على المناطق الجنوبية قاصدة كبار السن لتعلّم الأكلات التقليدية القديمة وأصلها وحكايتها، وانفردت في تقديمها في «سوق الطيّب». وما إن ذاع صيتها، حيث جابت العديد من دول العالم كفرنسا والهند وسنغافورة وبلجيكا وسويسرا، لتطبخ الفريكة الجنوبية. تحدّت خلالها قشمر العديد من المعوّقات كاللغة والتواصل، لكن إبتسامتها ومذاق الأكل الطيب كان بمثابة بطاقة التعريف عنها. تفتخر زينب بأنها نقلت للعالم صورة مغايرة عن الجنوب اللبناني الذي يرتبط اسمه بالحروب والتهجير والقتلى والجرحى، من خلال تعريفهم على حقيقة حكاية الأرض وخيراتها التي تصنع منها أكلاتها، والتي تؤكد أنها صحية بإمتياز.

بالرغم من إنتقال زينب للعيش في بيروت، من أجل العمل في «سوق الطيّب» ومطعم «طاولة»، وانتسابها إلى تعاونية أطايب الريف، لم تنسَ تطوير واقع السيدات الجنوبيات اللواتي كنّ منضويات في التعاونية الزراعية في الحلوسية. فهي تستعين بمنتجاتهن الزراعية وهمتهن للمساعدة في تحضير الكميات الكبرى من طبخة الفريكة، مُساهمةً في مساندتهن مادياً ومعنوياً. «فهؤلاء السيدات يحمين الأكلات الجنوبية من الإندثار، ويتربّصن بأرضهن رغم كل الصعوبات». تحمل قشمر، همّ المحافظة على الأشياء القديمة والتصدي لخطورة إنتشار أنماط غذائية أجنبية في المجتمع المحلي كونه يشكل خطراً على الهوية الثقافية، ولا سيما أن واقع الحال في لبنان لا يطمئن، فالتراث الثقافي والغذائي بات في دائرة الخطر. فبحسب زينب، فإن جيل اليوم لا يعرف شيئاً عن الأكل التراثي وهمّه السرعة، ومن أجل ذلك تقوم بتقديم صفوف للطهو في لبنان وخارجه ، لمن يودّ التعلم. «هدفي حماية تراث بلدي، فكيف لا أنقله إلى غيري؟».

مسعود: كسرت التقاليد

لا تنسى قشمر أن تُعرّفنا على صديقة العمل ريما مسعود (52 عاماً)، من بلدة الرملية قضاء عاليه، التي لها حكاية أخرى في تطوير الذات والتغلب على واقعها الإجتماعي. فهي ماهرة في خبز الصاج وتقديمه في بلدتها، من أجل مدّ يد العون إلى زوجها الذي يعمل في القطاع الزراعي. إنتمت ريما إلى جمعية «حماية الثروة الحرجية»، التي فتحت المجال أمامها للمشاركة في برنامج تدريبي مع «مؤسسة رينيه معوض لتنمية قدرات المرأة اللبنانية»، وخضعت لدورات تدريبية في الإقتصاد والتسويق والإنتاج والمونة. كانت هذه الدورات بمثابة بوابة العبور من الجبل إلى بيروت، فتحدّت العادات والتقاليد التي تواجه «المرأة الجبلية»، بالعمل خارج منطقتها. فقد كانت جمعية «حماية الثروة الحرجية» بمثابة الداعم لها، وساعدتها في اصطحاب الصاج من الجبل إلى «سوق الطيّب».

في البداية لم تكن تقوى على أن تخبز أمام الناس. لكن التشجيع التي تلقته وتوافد الزبائن اللبنانيين والأجانب لتذوق صاجها، جعلاها تتمتع بجرأة كبيرة. النقلة النوعية في حياة ريما، بدّلت أوضاعها الإقتصادية، فكانت الداعم الأول لإبنائها الثلاثة للوصول إلى المراحل الجامعية وانخراطهم في سوق العمل. تحمل ريما رسالة لجميع النسوة بضرورة التمتع بالإستقلالية المادية، والعمل من المنزل سواء بـ«الكروشيه أو المونة أو الطبخ». وتحوّل حلم القدوم إلى بيروت، إلى حلم أكبر بكثير، حيث أوصلها إلى التجوال مع الصاج في بلدان أوروبية وعربية، معيدة الفضل إلى الجمعية التي انخرطت فيها منذ سنوات وطوّرت قدراتها الإجتماعية والتعليمية والإقتصادية.

* صحافية

الشرطة البلدية...
نساء يعملن على إعادة الحوار مع المواطنين

UNDP ©

جانين جلخ*

إذا كانت المرأة في لبنان لا تزال تكافح لاختراق أسوار الساحة السياسية – بحيث يضمّ البرلمان ستّ نساء فقط والحكومة أربع وزيرات – إلاّ أنها بدأت ببطء وثبات تشقّ طريقها نحو البلديات التي فتح العديد منها أبوابه أمام النساء.

أصبح إلتحاق المرأة بالشرطة البلدية شائعاً، حيث قرّرت بلديات عدّة خوض التجربة عن طريق حقن الشرطة البلدية بجرعة أنثوية كفيلة بكسب ثقة السكان وطمأنتهم وحمايتهم.

وقناعةً منهم بضرورة تغيير أساليب القمع والإكراه للشرطة التقليدية واستبدالها بمفاهيم الحوار والتواصل مع المواطنين، اختار العديد من رؤساء البلديات توظيف النساء كعناصر شرطة بلدية ايماناً منهم بقدرة المرأة على تجسيد هذا الدور بشكل مهني في بلد لا تزال فيه ثقافة الإكراه والعنف قائمة.

وبدعم من وزارة الداخلية والبلديات وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وتمويل من الحكومتين الكندية والهولندية، باتت عملية إلحاق المرأة بالشرطة البلدية أحد العناصر الرئيسية لمشروع دعم البلديات، الذي وضع بالتشاور مع البلديات التي تتطلّع إلى تعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال إدخال أساليب جديدة للشرطة تتماشى مع طلب السكان المتزايد على الخدمات.

وكون النساء الشرطيات أكثر توجّهاً نحو المجتمع ويتمتّعن بقدرة تواصل واستماع أكبر من نظرائهن الرجال، فقد بدأن بفرض وجودهن بشكل متزايد في البلديات مثل: برج حمود، والميناء، وانفه، وزحلة وانطلياس، وبلدياتٍ أخرى عدة.

وبناءً على النجاح الذي حققته نساء عيّنهن في العام 2017 رئيس بلدية أنطلياس، إيلي أبو جودة، في إدارة بلدية انطلياس، قرّر أبو جودة، الإرتقاء إلى مستوى جديد بالحاق نساء أخريات في الشرطة المحليّة. ويقول في هذا السياق: «إنهن ببساطة أكثر حزماً واحترافية من العديد من الرجال في الفريق».

ويمكن للشرطيات الجدد الإعتماد على انهم نساء، كون مقاربة الأفراد لهن تختلف بناءً على العادات والتقاليد التي تفرض عليهن احتراماً والتعامل معها بلطفٍ وبطريقة مختلفة عن الرجال. فهذا يوفّر لهنّ مساعدة عفوية من السكان، الراغبين في تسهيل مهمّتهن بإظهار اللطف والمزيد من التعاون.

وفي برج حمود، كان قد بدأ منذ فترة تعيين النساء في الشرطة البلدية وكذلك داخل الإدارة. وحالياً، تمثّل النساء نحو 34 في المائة من القوة العاملة، وقد تمّ تكليف بعضهنّ في إدارة حركة المرور.

وبعد اكتساب الثقة بالنفس، إثر بداية صعبة اضطرت فيها الشرطيات إلى مواجهة محاولات الترهيب والنكات غير اللائقة، فرضن أخيراً وجودهنّ بعد أن أثبتن أنفسهنّ في بيئة صعبة إلى حدٍّ ما. وقد كان السياق الاجتماعي صعباً أيضاً في البداية بالنسبة إلى الشرطيات الخمس عشرة في زحلة، اللواتي أصبحن على مرّ السنين يحظين باحترام السكان.

تقول كوزيت عبدايم التي انضمّت إلى الفريق منذ ما يقارب الثلاث سنوات «في البداية، لم يأخذنا أحد على محمل الجدّ، ليس فقط كوننا نساء، بل بسبب الصورة السيئة التي تكوّنت لدى المواطنين عادةً عن الشرطة البلدية بوجه عام». وتضيف أنها تعلّمت مع مرور الوقت التوفيق بين الحزم والليونة، مستعينة أحياناً باللطف والإصغاء الفعّال، وأحياناً أخرى بالجرأة والصلابة عندما يزداد الوضع سوءاً.

وتعلّق خبيرة تتابع المشروع عن كثب «على الرغم من أنّ تأنيث الشرطة البلدية لا يزال في مراحله الأولى، سيصبح أكثر فعاليّة عندما تُمنح البلديات الموارد والسلطة اللازمة لتطبيق القانون بشكلٍ أفضل في بلد لا يزال فيه الإفلات من العقاب قائماً». وهي ترى أنّه لدى النساء إمكانات هائلة تنتظر فقط الكشف عنها والاستفادة منها.

(نص مترجم من اللغة الفرنسية)

* صحافية في جريدة لوريان لو جور

افتتاحيات 

صفحة 03

صفحة 04

صفحة 05

صفحة 06

صفحة 07

صفحة 08  

صفحة 09 

صفحة 10 

صفحة 11 -12  

صفحة 13

صفحة 14

صفحة 15

الغلاف الخارجي 

تحميل الملف

العربية  11

العربية 12

الإنجليزية 11

الإنجليزية 12