جامعة الرّوح القدس – الكسليك والمشروع الأوروبي CEDRO, شراكة مميزة من أجل البيئية

13 سبتمبر 2019

جامعة الرّوح القدس – الكسليك والمشروع الأوروبي CEDRO, شراكة مميزة من أجل البيئية

تعمل جامعة الرّوح القدس-الكسليك مع مشروع CEDRO المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي على تنفيذ استراتيجيّة خاصّة بالطّاقة المستدامة صلب الجامعة وخطط عمل للتّخفيف من مفعول التغيّر المناخي بهدف إحداث تغيير إيجابيّ داخل القطاع الجامعي بأسره.

في يوم من أيّام شهر أوت/أغسطس مبنى جامعة الرّوح القدس- الكسليك يعجّ بالطّلبة المنتشرين بين مختلف الأقسام للتّسجيل في الدّروس والاستعداد للفصل الدّراسي القادم الذي ينطلق في بداية شهر سبتمبر. الحرم الجامعيّ مكتظً تغمره طاقة لا يقدر على إطلاقها سوى الشباب. بعد فراق تواصل على امتداد الصّائفة نرى الطّلبة يتبادلون العناق والقبل وآخر أخبارهم وهم في طريقهم نحو مستشاريهم الجامعيّين لتنسيق الدّروس التي سيتابعونها. لكن لا أحد منهم يلاحظ اللوحات الشمسيّة التي تمّ تركيبها على سطح المبنى الأساسي وكليّة الزّراعة في إطار مبادرة CEDRO المموّلة من طرف الاتحاد الأوروبي.

لمحة عن جامعة الرّوح القدس – الكسليك

جامعة الرّوح القدس- الكسليك هي مؤسّسة كاثوليكيّة للتّعليم العالي الخاص أسّستها سنة 1983 الرّهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة وتولّت إدارتها منذ انطلاقها. رغم ماضيها المجيد لم تكتف الجامعة بما حقّقته بل تواصل بذل الجهود لمزيد التألّق في المستقبل وتوظيف الحاضر المثمر كنقطة انطلاق خاصّة في المجال البيئي.   

تقع الجامعة على ساحل جبل لبنان الذي يطلّ على البحر الأبيض المتوسّط وهي تعدّ حرمًا جامعيًّا مفعمًا بالحياة تغمره الخضرة التي تبرز من خلالها العديد من المباني المعماريّة المختلفة والمتناسقة في نفس الوقت. توفّر النّباتات الوافرة الحماية لكلّ من يجوب أنحاء الحرم الجامعي ضدّ لفح الهجير الذي يميّز فصل الصّيف في لبنان لكن عند تدقيق النّظر يمكن أن نتبيّن علامات تشير إلى وجود برنامج بيئيّ واسع النّطاق منها الحاويات المخصّصة لإعادة التّدوير والعلامات التي تشير إلى فرز القمامة ومشاريع التّصميم الايكولوجي التي بعثها الطّلبة الرّياديّون.

ولاشكّ أنّ الأرقام التي سجّلتها جامعة الرّوح القدس – الكسليك سنة 2018 تثير الاعجاب إذ بلغ عدد الطّلبة المسجّلين في الجامعة 7386 طالبًا ووصل عدد المتخرّجين إلى 20182 منذ السنة الجامعيّة 2002-2001 أمّا هيئة التّدريس فتتكوّن من 875 عضوًا من بينهم 230 عضوًا متفرّغًا و 645 عضوًا غير متفرّغ مع 345 موظّف إداريّ و تقنيّ.

قال قداسة البابا فرنسيس بكلّ وضوح في رسالته العامّة الثانية تحت عنوان لوداتو سي (كن مسبّحًا): " أُوجّه دعوةً عاجلةً لتجديد الحوار حول الأسلوب الذي نتبعه في بناء مستقبل الكوكب. إننا بحاجة إلى إجراء محادثة تجمعنا كلنا، لأن التحدي البيئي الذي نواجهه، وجذوره البشرية، تعنينا وتمسنا جميعًا". لم تتأخّر الجامعة في الاستجابة للرّسالة البابويّة بسبب جذورها الكاثوليكيّة وأيضا لاهتمامها بالمسألة البيئيّة فبدأت بسرعة في تنفيذ برنامج بيئيّ صارم للتخلّص من النّفايات نهائيًّا ممّا جعل منها الجامعة الخضراء الأولى في لبنان حسب التّصنيف العالمي للجامعات UI GreenMetric لسنة 2017.

مشروع CEDRO المموّل من طرف الاتحاد الأوروبي

هو مشروع موّله الاتحاد الأوروبي شمل 4 مراحل امتدّت على خمس سنوات (من جانفي/يناير 2014 إلى أوت/أغسطس 2018) حول الطّاقات المتجدّدة وكفاءة الطّاقة وأشرف على تنفيذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كان الهدف منه يتمثّل أساسا في إضفاء الطّابع الأخضر على قطاع الطّاقة من خلال تطبيق تدابير وأنظمة للطّاقات المتجدّدة وكفاءة الطّاقة عبر العديد من القطاعات الاقتصاديّة اللبنانيّة. تتمثّل أهداف المشروع فيما يلي: (i) دعم وزارة الماليّة للتّخفيف من الأعباء الماليّة في القطاعين العام والخاصّ فيما يتعلّق بنفقات الطّاقة والحدّ بذلك من عبء الدّخل وتعزيز أمن الامدادات؛ (ii) دعم وزارة الطّاقة و المياه للنّهوض بالطّاقة المتجدّدة لتصل مساهمتها إلى 12% من مزيج الطّاقة بحلول سنة 2020 و التّرفيع في نجاعة الطّاقة بنسبة 5% ؛ (iii)  النّهوض بموارد الطّاقة ذات النّطاق الضيّق من خلال مشاريع نموذجيّة و بناء القدرات و رفع الوعي من جهة و التّحاليل بشأن موارد الطّاقة المتجدّدة على مستوى الطّاقات الكامنة و التّوصيات المتعلّقة بالسياسات العامّة من جهة أخرى؛ (iv) تعزيز التوجّه نحو اقتصاد أخضر بخلق فرص في مجال العمل الأخضر خاصّة من خلال تشريك القطاع الخاصّ.

تصل قدرة المنظومة التي تمّ اعتمادها في جامعة الرّوح القدس – الكسليك إلى 212 كيلواط من الذّروة وهي تنتج 275,575 كيلواط /ساعة و تسمح بتجنّب 221 طنًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع تغطية مساحة 1900 مترًا مربّعًا و هو ما يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تتسبّب فيها سنويّا 45 سيّارة. تناهز القيمة الماليّة التي يوفّرها هذا النّظام سنويّاً 44,092 دولار.

وصلت كلفة النّظام إلى 195,000 دولار غطّى الاتحاد الأوروبي 50 % منها وتولّت جامعة الرّوح القدس-كسليك النّصف المتبقّي من الكلفة عبر قرض تحصّلت عليه من المبادرة الوطنيّة لتفعيل كفاءة الطّاقة والطّاقات المتجدّدة.

الأب الدّكتور طلال هاشم، رئيس جامعة الرّوح القدس-الكسليك

يبدو الأب طلال هاشم الذي ولد سنة 1970 أصغر من سنّه وهو الرّئيس الجديد لجامعة الرّوح القدس- الكسليك الذي يتميّز بدماثة أخلاقه وفعاليّته في العمل إلى جانب العديد من المهارات الرياديّة الأخرى التي تجعل من الفريق العامل يلتفّ حوله كما لا بدّ أن نذكّر بإحدى أهمّ خصال الأب طلال هاشم ألا وهي ضحكته التي تكاد لا تفارقه. شغل الأب هاشم العديد من الخطط الأكاديميّة الهامّة صلب جامعة الرّوح القدس- الكسليك حيث تمّ تعيينه سنة 2013 عميدًا لكليّة الحقوق ثمّ سنة 2016 رئيسًا مساعدًا مكلّفًا بالحياة المجتمعيّة إلى أن وصل سنة 2019 إلى منصب رئيس الجامعة.

كان الأب هاشم سبّاقًا في المجال البيئي حيث أبرز في خطاب ألقاه في الجامعة سنة 2013 أنّ " أنماط الحياة الحضريّة تؤثّر كثيرًا على العلاقات التي نبنيها فيما بيننا ومع الأرض بيد أنّ التّنمية التي شهدتها أغلبيّة بلدان العالم الثالث أسفرت عن هجرة مكثّفة مشفوعة بتوسّع حضري متزايد ممّا خلق اشكالاً بيئيًّا خطيرًا".

لقد سكنت المسألة البيئيّة ذهن رئيس الجامعة لذلك وجد ضالّته في مشروع CEDRO  المموّل من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يتماشى تمامًا مع شخصيّته و طريقة تفكيره  و ليس من باب الصّدفة أن تحمل الدّفعة الأولى من المتخرّجين خلال عهدته شعار " هيّا بنا إلى العمل!" ممّا يعكس أسلوبه في التّفكير وعقيدته العمليّة القائمة على أساس المجتمع المحلّي.

قال الأب هاشم: " نحن في جامعة الرّوح القدس-الكسليك نعتقد أنّ دور الجامعة لا يقتصر على تقديم الدّروس ومنح الشّهادات العلميّة فنحن لسنا ربوتات لصناعة المتخرّجين الجامعيّين بل نحن مواطنون مسؤولون، نحن مواطنون عالميّون يتمثّل عملنا في رفع الوعي لدى الطّلبة للوصول بهم إلى درجة النّضج ولا يمكن أن ينحصر ذلك في إطار المجتمع المحلّي الصّغير بل يتعدّاه ليشمل المجتمع الموسّع ". واستطرد قائلا: " نحن نسعى إلى جعل تلك القيم البيئيّة ترافق طلبتنا وتثريهم لذلك أدرجنا هذا الموضوع في برنامج الحصّة التّوجيهيّة المخصّصة للطّلبة الجدد الذين التحقوا بنا هذه السنة". أضاف رئيس الجامعة: " هذا طبعا يتطلّب وقتًا طويلاً كما هو الحال بالنّسبة لأيّ تغيير نودّ إحداثه على مستوى العقليّات لكن علينا أن نجتثّ فكرة عدم الاكتراث ليعي الطّلبة والموظّفون والمدرّسون بأنّ البيئة تعنينا جميعا. بالنّسبة لنا يكتسي مشروع CEDRO   اهميّة كبرى لأنّه المشروع النّموذجي الأوّل الذي تلاه مرفق للتصرّف في النّفايات الصّلبة كما كان البادرة التي أطلقت بقيّة أنشطتنا ونحن في الواقع انطلقنا بقوّة في إنجاز الأنشطة البيئية إذ توقّفنا عن طباعة الدّعوات الورقيّة للتّظاهرات التي ننظمها كما أحجمنا عن استعمال الورق اللامع لطباعة بطاقات العمل لأنّه ليس بالورق القابل لإعادة التّدوير فورًا. لا شكّ في أنّ النتائج لن تظهر للعيان سوى بعد مئات السّنين لكن علينا أن نعي بأنّنا نحن البشر في حاجة للطّبيعة وليست الطّبيعة في حاجة لنا. نحن نعمل من خلال شبكات التّواصل الاجتماعي والأنشطة الإعلاميّة على الحفاظ على علاقات وطيدة مع خريجي الجامعة بعد التحاقهم بالحياة المهنيّة".

الدّكتور جوزيف الأسد، منسّق مشروع CEDRO لدى جامعة الرّوح القدس-الكسليك

حصل الدّكتور جوزيف الأسد على شهادة الدّكتوراه سنة 2008 وهو أستاذ مساعد في جامعة الرّوح القدس-الكسليك وترأّس العديد من الأقسام قبل أن يشغل حاليّا خطّة عميد كليّة الهندسة إضافة إلى عضويّة المركز الأعلى للبحوث صلب الجامعة. منذ سنة 2011 يعمل الدّكتور الأسد كمستشار لدى وزارة الطّاقة والمياه ولدى المركز اللبناني لحفظ الطّاقة. إلى جانب هذه السيرة الذاتيّة الثريّة يتميّز جوزيف الأسد بشخصيّة جذّابة وبتفانيه في كلّ عمل ينجزه. عندما التقينا به لفتت قامته اليافعة انتباهنا ثمّ اجتذبتنا صراحته و سهولة التّعامل معه كما تبيّنا من خلال نبرة صوته أنّه شديد الفخر بمشروع CEDRO  الذي يموّله الاتحاد الأوروبي و بالنتائج التي حقّقها في جامعة الرّوح القدس- الكسليك.

قال الدّكتور جوزيف الأسد في هذا الصّدد: " تبيّن الأرقام المسجّلة سنة 2018 أنّنا تجنّبنا 1,508,947 رطلا من ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادل انبعاثات 151 سيّارة أو طاقة 4065 حاسوبا سنويّا. منذ انطلاقها، أنتجت المنظومة 528,44 كيلواط/ساعة من الطّاقة ونحن نغطّي حاليّا 20% من حاجيّات الجامعة". وأضاف الأسد وهو يشير من مكتبه إلى قسم من الجامعة: " سيتمّ تمويل المرحلة الثانية من المشروع بمبلغ 1,5 مليون دولار وستشمل إدخال تغييرات على كامل نظام الإضاءة وتجهيزه بمصابيح الدّايود الباعثة للضوء (LED) وتتمثّل الفكرة من وراء ذلك في حسن استغلال العمل المنجز لأنّه ما جدوى إنتاج الطّاقة النّظيفة إذا ما تمّ تبديدها عبر استعمالها على نحو غير مجدي؟ كما سننطلق قريبا في توسيع مجال اللوحات الشمسيّة التي ستغطّي سقف الموقف الجديد للسيّارات وهو ما سيجعلنا ننتج بين 60 و70% من الطّاقة التي تستهلكها الجامعة مع امكانيّة تحويل الفائض إلى الشّبكة. في نهاية المطاف، كنّا نسعى إلى أن نبيّن إلى جميع الأطراف المعنيّة في جامعة الرّوح القدس- الكسليك أنّه من الممكن تحقيق هدفنا و أنّ الجميع سيشارك و سيشعر بأنّ الأمر يعنيه و قد لعب مشروع CEDRO  دور الشّعلة التي سمحت بانطلاق المغامرة."

طارق الشمالي