شِبَاك جديدة تحقق لصيادي غزة الاعتماد على النفس

4 ديسمبر 2019

تضم القرية السويدية - وهي قرية نائية للصيادين في أقصى جنوب قطاع غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة - نحو 95 أسرة معيشية تعيش في فقر مدقع. ويمكن أن يرى زوار هذه القرية التي أنشأتها الحكومة السويدية في ستينيات القرن الماضي فوراً بأعينهم البنية التحتية السيئة والأوضاع المعيشية غير اللائقة التي يعاني منها سكانها البالغ عددهم 700 نسمة والذين يعيشون على أقل من دولار أمريكي واحد يومياً.

واجه صيادو تلك المنطقة، الذين يشكلون جزءاً من مجتمع أكبر من الصيادين في قطاع غزة، سنوات من الإهمال من حيث الأنشطة الإنمائية. لكن هذا ليس مثار قلقهم الوحيد.

يقول كامل أبو عدوة (50 سنة)، أحد الصيادين المقيمين في القرية السويدية منذ زمن طويل والذي يعول أسرة من 8 أفراد: "لقد ولدنا صيادين. كان والدي صياداً ومن قبله كان أجدادي صيادين. كان الصيد قبل الآن مأموناً وأغزر إنتاجاً. أما الآن فنحن عرضة لمخاطر مختلفة".

أبرز الملامح

  • يتلقى أكثر من 75 في المائة من السكان معونات، في ظل انعدام الأمن الغذائي والقيود المفروضة على النمو الاقتصادي والاجتماعي.
  • وفر البرنامج حتى تاريخه 12 ألف فرصة عمل دائمة من خلال المنح المقدمة للمشاريع بالغة الصغر، وساعد أكثر من 66 ألف أسرة على الانتقال من الفقر إلى الاعتماد على الذات اقتصادياً.
  • . وقد رُشح البرنامج لجائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع في أكتوبر/تشرين الأول 2011

ويضيف قائلاً: "لقد استبد بنا الفقر حتى أنني لم أعد أستطيع شراء شباك صيد. إنها غالية جداً. لا أكاد أستطيع توفير قوت يومنا أو إلحاق أولادي بالمدرسة أو الحصول على رعاية طبية لائقة".

أبو عودة، الذي كان يكسب ما بين 250 و350 دولاراً في الشهر، يستفيد الآن من منحة عينية قيمتها 4 آلاف دولار على هيئة شباك صيد مقدمة من البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وكانت أسرته واحدة من تسع أسر معيشية تتلقى هذه الشباك في قريته استناداً إلى تقييم للحاجات أسفر عن تعيين أسرته كأسرة شديدة الفقر وتحتاج إلى منحة صغيرة لمعاودة الوقوف على قدميها.

بهذه الشباك الجديدة التي تمكّنه من صيد أحجام وأنواع مختلفة من الأسماك، وبتدريبه على إمساك الدفاتر لرصد دخله ونفقاته، استأنف أبو عودة وولداه رحلات صيدهم اليومية.

وقد توسع نشاطه، والآن يستفيد أخوه وابن أخيه أيضاً من المشروع. تظهر سجلاته أن دخله ازداد إلى ما بين 1300 و1500 دولار شهرياً.

يقول أبو عودة: "يمكنني الآن ادخار المال وشراء القارب الذي طالما حلمت به وإلحاق ابنتي بالجامعة العام المقبل".

البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة برنامج للحد من الفقر بميزانية 48 مليون دولار أمريكي وممول من البنك الإسلامي للتنمية وينفَّذ في عموم الضفة الغربية وقطاع غزة بمعرفة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفر البرنامج حتى تاريخه 12 ألف فرصة عمل دائمة من خلال المنح المقدمة للمشاريع بالغة الصغر، وساعد أكثر من 66 ألف أسرة على الانتقال من الفقر إلى الاعتماد على الذات اقتصادياً.

تتمثل إستراتيجية البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة في مساعدة الناس على تحديد أفضل الوسائل لتلبية حاجاتهم والخروج بحلولهم الخاصة والشعور بملكية مشروعهم الصغير الجديد أو مبادراتهم الأخرى المدرة للدخل. ويضمن نهجه القائم على المشاركة تصميم المشروعات خصيصاً للمجتمعات المحلية المعينة. ويتمثل هدف البرنامج في التغلب على مشكلة طويلة الأمد وهي مشكلة الاعتماد على الغير الناتجة عن الأزمة السياسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. في غزة وحدها، يتلقى أكثر من 75 في المائة من السكان معونات، في ظل انعدام الأمن الغذائي والقيود المفروضة على النمو الاقتصادي والاجتماعي.

ويتجاوز البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة الإجراءات التدخلية التقليدية كالتشغيل قصير الأمد، وهو بالأحرى نهج ديناميكي ينظر إلى تنمية العائلة كوحدة واحدة.

يواجه البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة في غزة الكثير من التحديات نتيجة القيود الناشئة عن نقص المواد الخام، والزيادة السريعة في الأسعار، وعدم استقرار سعر الصرف.

في مواجهة كل هذه القيود، يسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جاهداً مع شركائه لضمان سير البرنامج بسلاسة. وحتى تاريخه، تمكّن البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة من توفير المساندة لأكثر من 500 أسرة لتحسين سبل كسب عيشها، تتراوح بين ما حصل عليه أبو عودة من شباك صيد إلى مساعدة امرأة شابة في الضفة الغربية على إنشاء أستوديو خاص بها للتصوير الفوتوغرافي والفيديو. وتعين المنظمات غير الحكومية المحلية والشركاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عمله.

ومن خلال البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة، لا تحسّن العائلات المشاركة سبل كسب عيشها فحسب، لكنها بدأت أيضاً تنظر إلى أنفسها نظرة مختلفة كعناصر فاعلة في تحقيق الرفاهية لأنفسها فيما يحضرون اجتماعات البرنامج ويتحدثون عن احتياجاتهم وخبراتهم.

يقول أبو عودة الذي يسكن في بيت سقفه من الصفيح كحال كثيرين من أبناء مجتمعه: "لقد تغيرت حياتي. وأنا الآن أخطط لصبّ سقف خرساني. لا يمكنك تصور إلى أي مدى تنخفض درجة الحرارة شتاءً هنا، لعيشنا قريباً من الشاطئ. دائماً ما يمرض أحفادي".

أبو عودة أحد النجاحات الكثيرة التي حققها البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة. وقد رُشح البرنامج لجائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع في أكتوبر/تشرين الأول 2011 استناداً إلى نهجه الرائد في التنمية الاجتماعية الاقتصادية المستدامة لمحاربة الفقر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تخضع طرق البرنامج الاقتصادي لتمكين العائلات المحرومة للاستعراض والتحسين والتعديل بشكل مستمر كي تظل وثيقة الصلة ومستجيبة لحاجات العائلات الفلسطينية. ونجاحه في الأراضي الفلسطينية المحتلة يشير إلى إمكانيات توسيعه إقليمياً.

كيف يساهم هذا المشروع في التنمية المستدامة؟

إنه جزء من برنامج أكبر يستهدف أفقر الأسر الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويساعدهم في الارتقاء من الفقر إلى المعيشة والدخل المستدامين.

يعد هذا المنهج الذي يُنفَّذ بالتعاون مع شركاءٍ محليين منهجاً فريداً لأنه يستخدم أدواتٍ مثل المنح والائتمان والتدريب والتعليم والمساعدة الفنية وغير ذلك. وهذا المنهج يحل محل منهج التبرعات الخيرية والعطايا الذي أنشأ الاعتماد على الغير خلال السنوات الماضية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 قصة أولئك الصيادين واحدة من آلاف حالات النجاح. وهي تعرض بوضوح أن الأُسَر إذا أُتيحَت لها الفرصة والوسائل لتصبح منتجة ومبتكِرَة، فإنها تستطيع إيجاد معيشة مستدامة بكرامة وأمن اجتماعي.

بقلم: خالد عبد الشافي، مستشار خاص ومستشار برامج لدى برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني