المزارعات يعززن الأمن الغذائي في شمال كردفان

4 ديسمبر 2019

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان

في بارا، إحدى محليات شمال كردفان التي تضم 90 قرية صغيرة، قد تكون الخضرة خداعة. فالصحراء المنبسطة تمتد لأميال حولها، تتناثر فيها قرى صغيرة، لا تكاد ترى سوى الألوان الزاهية لملابس النساء وهن عائدات من رحلتهن الأسبوعية إلى السوق المركزية في بلدة بارا.

مجموعة من النساء تعلوهن ابتسامة بينما يراجعن دفاترهن ويحسبن العائد الذي ربحنه من حدائق البساتين وإنتاج الماشية في مجتمعهن المحلي. فقد منحتهن هذه الأنشطة فرصاً كبيرة لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين وسائل كسب عيشهن، في تباين شاسع عن الأحوال السابقة، حيث كان لدى النساء قيمة اقتصادية أقل.

وتقول إقبال بكري، 49 عاماً، أم لثلاثة أطفال، ورئيسة لجنة القرية النسائية: "لقد نجحنا. فالنساء أقدر من الرجال فيما يتعلق بالشؤون الخاصة بالمجتمع المحلي. حيث تضطلع النساء في الغالب بإدارة الحدائق البستانية بينما الشباب والرجال مأخوذون بعدوى التنقيب عن الذهب التي تنتشر حالياً في عدد من مناطق شمال كردفان وغيرها من المناطق في البلاد".

ظلت المجتمعات المحلية، على مدى السنوات القليلة الماضية، تعاني من آثار التغير المناخي، الذي أدى إلى زيادة الحرارة، وزحف الكثبان الرملية، وشح المياه، وتناقص غلة المحاصيل وإنتاج الماشية، عاماً بعد عام.

حافظ الدوري هو مدير مصلحة الزراعة بمحلية بارا ومساعد مدير مشروع "بناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود أمام تغير المناخ" الذي يشترك في تنفيذه المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وانطلاقاً من خبرته بصفته أحد قاطني المنطقة عايش فيها سنوات متعاقبة من الجفاف، يقول موضحاً: "إن توفير بدائل الطاقة والموارد المائية للماشية والحدائق البستانية وفر على النساء الوقت، ومكنهن من مواجهة أكبر أسباب الضعف لديهن... الجفاف. لقد زاد ذلك بصفة عامة من قدرتهن على التكيف مع الظروف المناخية القاسية من خلال إنتاج الخضروات، والفاكهة والماشية للاستهلاك المنزلي وتوليد الدخل".

تأثر سبل كسب العيش بشدة

تقع ولاية شمال كردفان في وسط السودان في منطقة غابات السافانا على الرمال. وتعتمد سبل كسب العيش على الزراعة البعلية بما فيها الرعي، والزراعة، والحراجة، وإنتاج الصمغ العربي. ولكن الولاية تعاني من تقلبات شديدة في سقوط الأمطار، التي تتراوح بصفة عامة من 150 إلى 450 مم سنوياً، مما يترتب علي ذلك تأثر سبل كسب العيش تأثراً شديداً بفعل موجات الجفاف المتكررة.

وتلقي مسؤولة البيئة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حنان المتوكل الضوء على أثر التغير المناخي على سبل كسب العيش بقولها "لقد تسببت الظروف المناخية القاسية وسوء إدارة الأراضي في ضغط الغطاء النباتي وفقدان أنواع نباتات الرعي والنباتات الشجرية المتوطنة التي كانت مهيمنة في السابق".

ولتعزيز الصمود لدى المجتمعات المحلية المعرضة للتأثر بالتغير المناخي، ودعم تلك المجتمعات في محاربة حلقة الجفاف والخسائر المفرغة، وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مبادرة جديدة بعنوان "بناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود أمام التغير المناخي".

وساند أيضاً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بدعم من صندوق البلدان الأقل نمواً، المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية في وضع خطة العمل الوطنية للتكيف، والتي أدت إلى بدء الإطلاق التجريبي للأنشطة على مستوى المجتمعات المحلية في 40 قرية ريفية على مستوى أربع ولايات في السودان: شمال كردفان، جنوب دارفور، نهر النيل، والقضارف.

وكشفت عمليات خطة العمل الوطنية للتكيف
عن أن أكثر الفئات ضعفاً في ولاية شمال كردفان هم من يعيشون في محلية بارا.
حيث يوجد في حوض بارا 90 قرية يقدر عدد سكانها بنحو 18 ألف نسمة؛ ومن بين هذه القرى، سبع قرى استهدفها مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/صندوق البلدان الأقل نمواً لزيادة قدرة الحكومة السودانية والمجتمعات المحلية على اتخاذ إجراءات مستنيرة، وعادلة، ومراعية للفوارق بين الجنسين.

"لقد استفاد مجتمعي"

في إطار حزمة التنويع، تم توزيع بدائل الطاقة على هيئة أسطوانات ومواقد غاز البوتان لتخفيف الضغط على الكتلة الحيوية المستعملة في الطاقة المنزلية.

وتقول إقبال في سعادة غامرة: "لقد استفاد مجتمعي بأسره، رجالاً ونساءً من جميع الخدمات الجيدة التي قدمها فريق المشروع. فقد وفر لنا الفريق بدائل الطاقة من خلال توزيع أسطوانات الغاز ومواقد الطهي، وهي ممارسة جيدة من شأنها تقليل الطلب على قطع الأشجار من أجل الطهي وصناعة الفحم، وتقليل زمن الطهي، وتوفير وقتنا لأداء مهام أخرى. وفي الحقيقة، فإن تكلفة تعبئة أسطوانة غاز البيوتان تبلغ 30 جنيهاً سودانياً، وهي أقل من تكلفة شراء جوال من الفحم مقابل 100 جنيه سوداني".

وقد وزع المشروع، إلى الآن، 72 أسطوانة غاز مملوءة ومواقد في 3 قرى؛ فوا، أبو ضلام والحمرة، وبلغت تكلفة كل منها 500 جنيه سوداني. ويسهم المشروع بمبلغ 200 جنيه سوداني بينما يدفع أفراد المجتمع المحلي أقساطاً شهرياً قيمتها 30 جنيهاً لمدة عشرة أشهر.

وكما قالت إقبال، فإن النساء لسن وحدهن المستفيدات من هذه التطورات. فالرجال يحوزون نصيب الأسد من العائدات المتولدة من الإجراءات المتخذة في المشروع بفضل تحسن إنتاج الماشية والتسويق. كما استفاد كل من الرجال والنساء من زيادة الوعي وبناء القدرات على تحصين الحيوانات وعلاجها، وهو الأمر الضروري لتحسين إنتاجية الماشية، نظراً لتصاعد تفشي الأمراض وانتشارها نتيجة للتغير المناخي. وقد أدت هذه الأنشطة إلى تحسين إنتاجية الضأن والماعز وزيادة الدخل الناتج عن القيمة المضافة من خلال التسمين.

ويعد المزارع محمد أحمد كوكو، 65 عاماً، نموذجاً جيداً لأولئك المستفيدين من أنشطة إنتاج الماشية في المشروع، "الآن، أصبح بالإمكان بيع الضأن الذي كانت قيمته تبلغ 500 جنيه سوداني بمبلغ 1300 جنيه سوداني بعد 45 يوماً فقط من التسمين والتلقيح. وقد أصبحت أغنامي اليوم أكثر صحة؛ فمن بين 50 غنماً لدي، أنتجت تسعة توائم".